إثر التطورات السیاسیة والأمنیة التی شهدتها المنطقة والعالم فی الآونة الأخیرة اتخذت حركة المقاومة الإسلامیة فی فلسطین "حماس" قرارها النهائی بتغلیب وجهتها الجهادیة على الوجهة السیاسیة والحفاظ على مكانتها باعتبارها أحد أهم أركان محور المقاومة فی المنطقة.
وخیر دلیل على هذا الخیار هو النتائج التی أفرزتها انتخابات المكتب السیاسی لحماس والذی یمثل فی الحقیقة المجلس القیادی للحركة، حیث تم انتخاب 17 شخصاَ من أصل 19 على صلة وثیقة بالفصائل الفلسطینیة المقاومة مقابل شخصین من التكنوقراط. وهذا الاختیار یمثل فی الواقع انتصاراً بارزاً للتوجه الجهادی والمقاوم فی الحركة مقابل التوجه السیاسی.
العلاقة بین إیران وحماس
بعد اندلاع الأزمة فی سوریا فی آذار/مارس عام 2011 برز خلاف بین إیران وحماس بشأن هذه الأزمة، حیث اعتقدت إیران منذ البدایة بوجود مؤامرة إقلیمیة ودولیة تستهدف محور المقاومة فی المنطقة بما فیها حركة حماس، فیما رأت الحركة ضرورة دعم المعارضة السوریة المرتبطة بحركة "الإخوان المسلمین" والتی تسعى لتغییر النظام فی سوریا. وفی أعقاب ذلك قررت الحركة نقل مكتبها السیاسی من دمشق إلى العاصمة القطریة "الدوحة".
وبسبب هذا الخلاف ضعفت العلاقة بین حماس وإیران، لكنها لم تصل إلى حد القطیعة؛ بل حافظت على نفسها بفضل إدراك الطرفین لحجم المؤامرة التی تتعرض لها المنطقة لاسیّما القضیة الفلسطینیة التی تدعمها إیران بقوة خصوصاَ فصائل المقاومة التی تمكنت من تحقیق انتصارات باهرة على الجیش الصهیونی أثناء عدوانه على غزة عام 2014.
وشهدت أوساط حماس خلافات بشأن العلاقة مع إیران. ففی الوقت الذی فضّل "خالد مشعل" الرئیس السابق للمكتب السیاسی للحركة التوجه نحو دول إقلیمیة أخرى كالسعودیة وقطر، رجّح الجناح الجهادی فی الحركة بقیادة "یحیی السنوار" و"إسماعیل هنیة" الحفاظ على العلاقة مع إیران باعتبارها الداعم الرئیس لمحور المقاومة فی المنطقة.
وحافظت إیران على دعمها لكتائب القسّام الذراع العسكری لحماس طیلة الفترة التی شهدت بروداً فی العلاقة بین طهران والمكتب السیاسی للحركة.
كتائب القسّام
وبعیداً عن التحلیلات السیاسیة لابدّ من الإذعان بأن دعم إیران للقضیة الفلسطینیة وفصائلها المقاومة لایمكن إنكاره أبداً، وهو ما یؤكده قادة حماس أنفسهم، وما یعزز هذه العلاقة هو اعتقاد الفصائل الفلسطینیة بأن السلاح الذی توفره الجمهوریة الإسلامیة فی إیران لمواصلة الجهاد ضد العدو الصهیونی لایمكن الاستغناء عنه، فیما تعتقد إیران بأن المجاهدین الفلسطینیین هم الركیزة الأساسیة للانطلاق نحو تحریر الأراضی المغتصبة وفی مقدمتها القدس الشریف.
ورغم سعی الكیان الصهیونی لتطبیع العلاقات مع بعض دول المنطقة لازالت كتائب القسّام تعتقد بضرورة تعزیز العلاقات مع إیران للتعویض عن الخسارة التی لحقت بالحركة جراء هذا التطبیع. ومن الطبیعی أن تستفید حماس من تجربة حركة "فتح" والسلطة الفلسطینیة بقیادة محمود عباس والتی أثبتت أن التوجه نحو مفاوضات التسویة مع الكیان الصهیونی والاعتماد على الدول التی تسعى للتطبیع مع هذا الكیان لن تثمر سوى عن ضیاع الوقت والتضحیة بمزید من الأرواح والإمكانات والابتعاد عن تطلعات الشعب الفلسطینی وحقوقه المشروعة فی الأرض والوطن وفی مقدمتها حق العودة.
ویبدو أن تسلم "إسماعیل هنیة" لمنصب رئیس المكتب السیاسی لحماس بدلاً من "خالد مشعل" سیساهم هو الآخر بتقویة التوجه المقاوم لدى الحركة وسیعزز العلاقة مع طهران باعتبار أن هنیة یعد أقرب إلى إیران من مشعل، وهو یرجح العمل المقاوم على التحرك السیاسی خلافاً لمشعل.
وعلى الرغم من الضغوط التی تتعرض لها حماس على خلفیة الأزمة الحالیة بین قطر من جهة والسعودیة والإمارات والبحرین ومصر من جهة أخرى، إلاّ أنه یبدو أن الحركة قد حسمت أمرها باتجاه تعزیز العلاقات مع إیران بعیداً عن هذه التأثیرات، وهذا یعنی بالتالی أن التوجه المقاوم لحماس سیتغلب على التوجه السیاسی.
ومن دون شك أن هذا التوجه قد أغاض السعودیة والكیان الإسرائیلی خصوصاَ بعد مشاركة وفد من حماس فی مراسم تأدیة الرئیس الإیرانی حسن روحانی الیمین الدستوریة. وهذا الامتعاض قد أكده المتحدث باسم الجیش الصهیونی "أفیخای أدرعی" والصحف السعودیة بینها "الریاض".
وفد حماس برئاسة عزت الرشق (الثانی من الیمین) یزور إیران لحضور مراسم تنصیب روحانی (مواقع التواصل)
وفد حماس الذی شارك فی مراسم تأدیة روحانی الیمین الدستوریة
واستنكرت حماس ما ورد فی جریدة الریاض بوصفها الحركة ب"الإرهابیة" معتبرة ذلك إساءة خطیرة للشعب الفلسطینی ومقاومته.
فی الختام ینبغی التأكید على أن حماس ومن خلال حسمها للخیار الجهادی وتفضیله على السیاسی قد أحبطت كافة المحاولات الرامیة إلى إبعاد الحركة عن محور المقاومة، ما یجعل أحلام الصهاینة والأنظمة الرجعیة السائرة فی ركبهم فی مهب الریح.
LINK: https://www.ansarpress.com/english/7944
TAGS: